image_pdfimage_print

 

ما تشهده المملكة منذ نهاية شتنبر لا يبدو مجرّد احتجاج عابر أو ردة فعل ظرفية، بل تعبير واضح عن تراكم اجتماعي عميق بدأ يتكوّن داخل المغرب منذ سنوات.

الغضب الذي خرج إلى الشارع اليوم ليس سياسياً بمعناه الكلاسيكي، بل اجتماعياً بالدرجة الأولى، يرتكز على أزمة بنيوية قاسية في التشغيل، خصوصاً في صفوف الشباب وخريجي الجامعات.

الأرقام الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط تكشف واقعاً صادماً: بطالة الفئة العمرية 15 إلى 24 سنة بلغت هذا العام 36 في المئة، وترتفع إلى ما يقارب نصف الشباب في الوسط الحضري. بطالة الخريجين الجامعيين تمثل نسبة مؤثرة من هذا الواقع، ما يعني أن الاختناق لا يصيب الفئات الهشة فقط، بل الفئات المتعلمة أيضاً، وهي الفئات التي كانت تُعتبر تاريخياً المحرك الأول لأي تحول مجتمعي في المنطقة.

اللافت أن الاحتجاج الحالي لم يعد يعتمد على الوسائط التقليدية، إذ تصدّر تطبيق “ديسكورد” أدوار التنسيق واتخاذ القرار اللحظي، في تحول نوعي يؤشر على انتقال مركز الفعل السياسي من الشارع المنظم إلى الفضاء الرقمي التشاركي، حيث التصويت المباشر والقرار الأفقي الفوري. هذا التحول جعل الحراك أكثر سرعة، وأكثر استقلالية، وأقل ارتباطاً بأي وسيط مؤسساتي أو حزبي أو نقابي.

كما أن الحضور النسائي، خصوصاً الطالبات، لم يكن رمزياً، بل نابعاً من معطيات واقعية تثبت أن بطالة النساء بدورها تقارب الخُمس، ما يعكس عمق الشعور بالانسداد لدى فئات واسعة ترى أن المستقبل الاجتماعي مغلق أمامها.

وعلى امتداد المنطقة، يُعاد اليوم استحضار ما عاشته تونس عام 2011، وما تلاها في مصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين، باعتبار أن الانفجار المغربي ليس معزولاً عن سيرورة اجتماعية أوسع. بل إن الموجة الثانية التي انطلقت من السودان في 2018 ووصلت إلى الجزائر والعراق ولبنان في 2019 أثبتت أن التاريخ لم يتوقف.

وفي هذا السياق، يظل الحراك الشعبي السلمي المبارك في الجزائر نقطة مضيئة في الذاكرة الجماعية للمغاربة، من حيث سلميته ورقيّه وتحضره.هكذا يتأكد أن المغرب لا يعيش موجة احتجاج عابرة، بل يدخل مرحلة جديدة من الغليان الاجتماعي مفتوحة الأفق، تحمل احتمالات متعددة، وتعيد إلى الواجهة حقيقة أن ما بدأ في المنطقة منذ الربيع العربي لم يُطوَ بالكامل بل يعاود الظهور بأدوات أكثر نضجاً ووعياً وجرأة.

Leave your comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *